منظمات اممية تعتذر للامهات الفلسطينيات عن خذلان العالم لهن ولاطفالهن .. السكان يكافحون من اجل البقاء .. تحذير من عواقب التصعيد الإسرائيلي .. الاونروا تدعو الدول العربية للتضامن معها

 

 
غزة ـ نيويورك : اوروبا والعرب 
بعد قضاء تسعة أيام في مدينة غزة، التي أصبحت الملاذ الأخير للعائلات في شمال القطاع، حذّرت المتحدثة باسم اليونيسف تيس إنغرام، من أن المدينة "تتحول بسرعة إلى مكان لا يمكن للطفولة البقاء فيه على قيد الحياة"، واصفة إياها بمدينة "الخوف والفرار والجنازات".
وفي حديثها للصحفيين في نيويورك عبر تقنية الفيديو من القطاع، قالت إنغرام إن أصغر وأكثر سكان مدينة غزة ضعفا يكافحون من أجل البقاء بسبب انهيار الخدمات الأساسية، وشددت على ضرورة بذل كل ما هو ممكن لمنع الهجوم العسكري الإسرائيلي المُكثّف الوشيك لتجنب "مأساة لا يمكن تصورها". إلا أنها قالت: "ما لا يُصدّق ليس وشيكا، بل هو هنا بالفعل. فالتصعيد جار".
"المجاعة في كل مكان"
وأضافت المتحدثة باسم اليونيسف أن سوء التغذية والمجاعة يُضعفان أجساد الأطفال، فيما يحرمهم النزوح من المأوى والرعاية ويُهدد القصف جميع تحركاتهم.
وأضافت: "هكذا تبدو المجاعة في منطقة حرب، وقد وجدتها في كل مكان نظرت إليه في مدينة غزة. ساعة في عيادة للتغذية تكفي لمحو أي تساؤل حول وجود مجاعة - غرف انتظار مكتظة، وآباء وأمهات يبكون، وأطفال يكافحون وطأة المرض وسوء التغذية، وأمهات لا يستطعن ​​الرضاعة الطبيعية، ورضع يفقدون بصرهم وشعرهم وقدرتهم على المشي".
وقالت إنغرام إن الأهوال في غزة طالت لدرجة أن الأطفال ينتكسون بعد أسابيع فقط من إنهاء علاج سوء التغذية بسبب النقص المستمر في الغذاء والمياه النظيفة وغيرها من الإمدادات الأساسية. 
وشددت على أنه بدون توفير إمكانية للحصول الفوري والمتزايد على الغذاء والعلاجات التغذوية، "سيتفاقم هذا الكابوس المتكرر وسيموت مزيد من الأطفال جوعا. وهو مصير يمكن تجنبه تماما".
وأضافت: "إن الحياة الفلسطينية تُفكك هنا، بانتظام، ولكن بثبات. إن معاناة الأطفال في قطاع غزة ليست مصادفة، بل هي نتيجة مباشرة لخيارات حوّلت مدينة غزة، بل والقطاع بأكمله، إلى مكان تهاجم فيه حياة الناس من كل جانب يوميا".
جهود مكثفة وغير كافية
وأكدت إنغرام أن اليونيسف تبذل كل ما في وسعها لمكافحة المجاعة وتلبية الاحتياجات الهائلة. وأوضحت أن المنظمة تمكّنت خلال الأسبوعين الماضيين من توفير لشركائه ما يكفي من الأغذية العلاجية الجاهزة للاستخدام - وهي العلاج الرئيسي لسوء التغذية لدى الأطفال - لتقديمها لأكثر من 3000 طفل يعانون من سوء التغذية الحاد على مدار فترة العلاج التي تستمر ستة أسابيع.
يأتي ذلك إلى جانب مساعدات طارئة أخرى للرضع والأمهات والحوامل، بالإضافة إلى مراكز تعليمية مؤقتة وخدمات حماية الطفل واستجابات أخرى.
وأكدت أن اليونيسف قادرة على بذل مزيد من الجهود والوصول إلى كل طفل في غزة إذا ما فعـّلت عملياتها الميدانية على نطاق واسع، وحظيت بتمويل كاف.
استلهام العزيمة والإنسانية الغزاوية
كررت تيس إنغرام دعوات اليونيسف لإسرائيل لمراجعة قواعد الاشتباك لضمان حماية الأطفال والسماح بدخول مساعدات كافية إلى غزة وحماية العامليين الإنسانيين والسماح لهم بالوصول إلى الأشخاص المحتاجين في أماكن وجودهم. وجددت دعوة حماس والجماعات الفلسطينية المسلحة الأخرى لإطلاق سراح جميع الرهائن المتبقين.
كما دعت المجتمع الدولي، وخاصة الدول والجهات المعنية ذات النفوذ، إلى استخدام نفوذها لإنهاء هذا الوضع، "لأن ثمن التقاعس سيُقاس بحياة الأطفال المدفونين تحت الأنقاض، الذين أنهكهم الجوع، والذين أُسكتوا قبل أن تتاح لهم فرصة الكلام".
وردا على أسئلة الصحفيين حول شعورها أثناء عملها في غزة ومشاهدة هذه الأوضاع بشكل مباشر، قالت إنغرام إنها وجدت نفسها تعتذر للعديد من الأمهات خلال الأسبوع الماضي عن خذلان العالم لهن ولأطفالهن، ووصفت الوضع بأنه يُفطر القلب. 
لكنها سلطت الضوء على "العزيمة والإنسانية" الهائلة التي شهدتها في مجتمع غزة، وأوضحت قائلة: "لا أعتقد أنني كنت سأصمد كما يصمد الناس هنا في ظل هذه الظروف. إنه أمر مثير للإعجاب حقا، وأعتقد أن هذا يمنحنا جميعا [كعاملين إنسانيين] الشجاعة والعزيمة على الاستمرار".
من جانبه أعرب مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عن القلق البالغ إزاء تصعيد العمليات العسكرية الإسرائيلية في شمال غزة في إطار "خطة إسرائيل للسيطرة الكاملة على مدينة غزة، التي أُعلنت في الثامن من آب/أغسطس".
أجيث سونغاي رئيس مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة، قال إن تقارير المكتب تفيد بأن التصعيد شمل تدميرا مكثفا لمبان سكنية في مناطق بجنوب شمال غزة وشمال شرق مدينة غزة، مما أدى إلى وقوع ضحايا من المدنيين ونزوح قسري.
وأضاف سونغاي لأخبار الأمم المتحدة، أن 813 فلسطينيا قُتلوا - وفق وزارة الصحة في غزة - في الفترة بين 26 آب/أغسطس والأول من أيلول/سبتمبر.
وقال إن التقارير تفيد بأن نحو مليون فلسطيني لا يزالون في شمال غزة، "وهم يُدفعون الآن إلى مناطق تتقلص باستمرار غرب قطاع غزة في ظروف إنسانية عصيبة".
وذكر أن الكثيرين غير قادرين على التنقل في ظل عدم وجود مناطق آمنة والمخاطر المحيطة بالتنقل من مكان إلى آخر. وقال إن آخرين ما زالوا عالقين في شرق مدينة غزة ولا يستطيع عمال الإغاثة الوصول إليهم.
المسؤول الأممي قال إن الهجمات العسكرية الإسرائيلية على الساعين للحصول على المساعدات مستمر بأنحاء غزة، فيما تواجه شاحنات الإغاثة تحديات لدخول القطاع. 
وذكر أن مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان سجل وقوع أكثر من 2,146 وفاة في محيط مواقع "مؤسسة غزة الإنسانية" وعلى طول طرق قوافل الإمدادات.
الضفة الغربية
أشار سونغاي إلى زيادة التقارير خلال الأيام القليلة الماضية حول "تخطيط الحكومة الإسرائيلية لـ 'فرض السيادة' أو بكلمات أخرى إضفاء الطابع الرسمي وزيادة تكريس الضم بموجب القانون الإسرائيلي للضفة الغربية المحتلة أو أجزاء منها".  
وقال إن أي إعلان بفرض السيادة على الضفة الغربية ستكون له عواقب كارثية على الفلسطينيين، "بالطبع على حقهم في تقرير المصير، ولكن أيضا على حياتهم اليومية".
وقال إن فرض السيادة والقانون المحلي الإسرائيلي على الضفة الغربية، سيسهل مزيدا من التوسيع الهائل للمستوطنات وإضفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية القائمة والسماح لإسرائيل بالسيطرة الكاملة - بدون أي قيود - على الموارد الطبيعية الفلسطينية.
مناشدة للدول العربية
في كلمته أمام مجلس جامعة الدول العربية، دعا المفوض العام لوكالة الأونروا إلى إظهار التضامن مع الوكالة وصون دورها في حماية حقوق لاجئي فلسطين، واستخدام جميع الأدوات لإنهاء المعاناة غير المقبولة في غزة.
مناشدة المفوض العام فيليب لازاريني جاءت في كلمته أمام الدورة الـ164 لمجلس جامعة الدول العربية المنعقد على المستوى الوزاري في العاصمة المصرية القاهرة.
تحدث لازاريني عن تدهور الوضع في قطاع غزة وحدوث "مجاعة من صنع الإنسان" في محافظة غزة من المتوقع أن تنتشر بسرعة.
وقال: "هذه هي النتيجة المباشرة والمتوقعة للحصار وللقيود المتعمدة على المنظمات الإنسانية الملتزمة بالمبادئ - بما في ذلك الأونروا - لمصلحة آلية تُعسكر وتُسلّح المساعدات الغذائية. يتعين على الناس في غزة الآن الاختيار بين الموت تجويعا أو التعرض للقتل خلال محاولات يائسة للعثور على الطعام".
وأضاف المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين (الأونروا) أن الصحفيين في غزة يُستهدفون ويُقتلون لإسكات آخر الأصوات التي "تغطي الجرائم الدولية".
وتطرق لازاريني إلى الحديث عن الضفة الغربية المحتلة، وقال إن الجيش الإسرائيلي والمستوطنين المسلحين يرتكبون أعمال عنف مروعة بحق الفلسطينيين – "وأصبح الضم الآن هدفا سياسيا مُعلنا".
وأضاف المسؤول الأممي أن لامبالاة العالم وتقاعسه عن التحرك أمر صادم وترقى إلى التواطؤ كما تهدد استقرار المنطقة بأسرها.
حملة التضليل ضد الأونروا
تُفاقم معاناة الفلسطينيين وتزيد حدتها، كما قال لازاريني، الهجمات على موظفي ومباني الأونروا وكذلك الهجمات على المستويات السياسية والتشريعية ضد الوكالة.
وأشار إلى مقتل أكثر من 360 موظفا من موظفي الأونروا في غزة، وتضرر معظم مباني الوكالة أو تضررها بالكامل.
وقال إن التشريعات الإسرائيلية تمنع وجود موظفين دوليين للعمل في الأرض الفلسطينية المحتلة، مضيفا أن "حملة التضليل العالمية الشرسة قد شوّهت سمعة الوكالة وخنقت التمويل الضروري" لعملها الحيوي.
ورغم كل هذه التحديات أظهر موظفو الوكالة الفلسطينيون شجاعة وتفانيا "قل نظيرهما مما أتاح للأونروا مواصلة تقديم خدماتها الحيوية"، بما في ذلك في مجالات الرعاية الصحية والتعليم في غزة والضفة الغربية.
وحذر فيليب لازاريني من أن الوضع المالي للأونروا كارثي. وقال إن إجراءات التقشف ستسمح بدفع الرواتب لشهر أيلول/سبتمبر، إلا أن التوقعات المالية لبقية عام 2025 غير مؤكدة إلى حد بعيد.
واختتم كلمته بثلاث مناشدات:
أولا، دعا الدول العربية إلى إظهار تضامنها مع الأونروا، ليس فقط من خلال الدعم السياسي، بل أيضا من خلال الدعم المالي القوي.
وقد بلغت المساهمات المالية الواردة من المنطقة هذا العام 3% فقط من إجمالي المساهمات التي تلقتها الوكالة، بانخفاضٍ يزيد عن 90% مقارنة بالعام الماضي.
ثانيا، حث على صون دور الأونروا في حماية حقوق لاجئي فلسطين.
ثالثا، ناشد الدول العربية استخدام جميع الأدوات القانونية، والسياسية، والدبلوماسية، والاقتصادية المتاحة لها لإنهاء المعاناة غير المقبولة في غزة.
وقال إن وقف إطلاق النار أمر حتمي، وشدد على ضرورة السماح للأونروا بنشر خبراتها وشبكتها الفريدة لتوزيع المساعدات للتصدي للمجاعة وتقديم المساعدة الإنسانية الضرورية. وأكد أن الأوان قد حان للتحرك والعمل على إنقاذ الأرواح وتأمين مستقبل فلسطين والمنطقة.

مشاركة الخبر

الأخبار المتعلقة

تعليقات

لا يوجد تعليقات